دائرة الشّمال الثّالثة: صراع الرئاسة الأولى والحسم بيَد “المستقبل”
ما كادت حكومة الرئيس نجيب ميقاتي تبصر النّور يوم الجمعة الماضي، ويعلن بعدها تعهّد حكومته بإجراء الإنتخابات النّيابيّة بموعدها في شهر أيّار من العام المقبل، حتى توجّهت الأنظار إلى عدد من الدوائر الإنتخابية البارزة، ومنها دائرة الشّمال الثالثة، لأنّ نتائجها ستسهم على نحو كبير في رسم ملامح المرحلة السّياسية المقبلة، وعلى رأسها إنتخابات رئاسة الجمهورية خريف العام المقبل.
هذه الدّائرة التي تضمّ أقضية زغرتا والكورة والبترون وبشرّي، و10 نوّاب جميعهم مسيحيون موزعين بين 7 موارنة و3 روم أرثوذكس، تُعتبر الدّائرة الوحيدة في لبنان التي تشهد صراعاً بين تيّارات وقوى وشخصيات سياسيّة مسيحيّة رئيسيّة، تتنافس في ما بينها من أجل الوصول إلى كرسي الرئاسة الأولى في قصر بعبدا، ولعلّه من هنا تنبع أهمية الإنتخابات المقبلة فيها، والتي يُنتظر أن تشهد سباقاً حامياً بين المرشحين فيها.
نتائج إنتخابات دورة 2018 تشير بوضوح إلى ذلك، فحينها حاز تيّار المردة 4 مقاعد له ولحليفه الحزب السّوري القومي الإجتماعي، فيما توزّعت المقاعد الستّة الباقية في الدائرة مناصفة بين التيّار الوطني الحرّ مع حليفه حركة الإستقلال والقوات اللبنانية، بعدما حاز كلّ منهما على 3 مقاعد.
لكنّ الحضور السّياسي في هذا الدائرة لا يقتصر على هذه الأطراف فقط، إذ إضافة إليهم هناك النّائب السّابق بطرس حرب في البترون، وملحم طوق في بشري، وحزب الكتائب الذي يتركز حضوره في البترون عبر مرشحه النّائب السّابق سامر سعادة، وبرغم أنّ الثلاثة، حرب وطوق وسعادة، لم ينجحوا بالوصول إلى النّدوة البرلمانية، لكن الأصوات التي نالوها أسهمت في رفع حاصل اللوائح التي تحالفوا معها، وبالتالي تمكّنت هذه اللوائح من الفوز بعدد معين من نوّاب الدائرة.
غير أنّ هناك لاعباً رئيسياً آخرًا في هذه الدّائرة وهو تيّار المستقبل الذي يحضر بقوّة فيها، ويُعتبر صاحب “مَونة” كبيرة على كتلة وازنة من النّاخبين السنّة، إقترع منهم أكثر من النّصف؛ ومع أنّ هذه الدّائرة لا يوجد فيها مقعد نيابي مُخصص للطّائفة السنّية، إلا أنّ توجّهات هؤلاء النّاخبين في الإستحقاق المقبل بإيعاز من التيّار الأزرق من شأنه التأثير في نتائجها، إضافة إلى ناخبين مسيحيين مقرّبين من تيّار المستقبل، وتحديداً من نائب الكورة السّابق، فريد مكاري، الحليف الرئيسي للتيّار.
ففي دورة إنتخابات 2018، إقترع في قضاء الكورة 4332 ناخباً سنّياً، وفي قضاء زغرتا 4304 مقترعين سنّة، وفي قضاء البترون 1651 مقترعاً سنّياً، وفي قضاء بشري 4 مقترعين سنّة، أيّ ما مجموعه 10652 مقترعاً سنياً من أصل 23011 ناخب سنّي مسجلين على لوائح الشطب، أيّ بنسبة مئوية بلغت 19.53 في المئة من أصوات المقترعين، من أصل العدد الإجمالي للمقترعين حينها والذي بلغ 117811 مقترعاً، من أصل 249416 ناخب مسجلين على لوائح الشّطب.
خلال تلك الإنتخابات، إقترعت كتلة وازنة من النّاخبين السّنّة في هذه الدائرة، كما بات معلوماً، للنّائب جبران باسيل ولائحته، بإيعاز من الرئيس سعد الحريري الذي حثّ مؤيديه في تلك الدائرة حينها على الإقتراع “لصديقي جبران”، حسب مقولته الشهيرة وقتها، إضافة إلى تصويت عدد منهم إمّا لمرشحي القوّات اللبنانية أو الحزب السّوري القومي الإجتماعي أو مرشحين آخرين، لأسباب إمّا سياسية وحزبية، أو تعود لعلاقات شخصية أو مصالح مختلفة.
مقابل ذلك، حصد تيّار المردة في تلك الدائرة حينها 4423 صوتاً، أيّ نحو 41 في المئة من أصوات المقترعين السنّة، ما جعل أسئلة كثيرة تُطرح حول توجّهات النّاخبين السنّة في دائرة الشّمال الثالثة، خصوصاً الذين يمون عليهم تيّار المستقبل، بعدما تحوّل باسيل من “صديق” إلى “خصم لدود”، وإثر الجفاء بين التيّار الأزرق والقوّات اللبنانية ورئيسها سمير جعجع نتيجة خلافات سياسية عدّة؛ فهل أنّ الحريري سيوعز هذه المرّة لناخبيه الإقتراع للائحة تيار المردة وحلفائه، بما يُعزز من وضع حليفه القديم ـ الجديد النّائب السابق سليمان فرنجية، سياسياً ورئاسياً؟
قد يكون الجواب الآن عن هذه الأسئلة وغيرها ما يزال مبكراً، لكن من شأن الإجابة عنها، فضلاً عن التحالفات المنتظرة وتركيب اللوائح، أن يوضح مسبقاً معالم ونتائج الإنتخابات في دائرة يتصارع المتنافسون على نتائجها بقدر تصارعهم على كرسي قصر بعبدا.
عبد الكافي الصمد